كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(2) أَنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يَجْعَلُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَعَالِي ذَلِكَ السُّورِ تَمْيِيزًا لَهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَلِأَنَّهُمْ شُهَدَاؤُهُ عَلَى الْأُمَمِ، وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ الرَّازِيُّ.
(3) أَنَّهُمْ عُدُولُ الْأُمَمِ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ حَكَاهُ الزُّهْرِيُّ، فَكَمَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ يَشْهَدُ عَلَى أُمَّتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاءُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنَ الْأُمَمِ بَعْدَهُ- ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ فِي الْأُمَمِ شُهَدَاءَ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [4: 41] وَقَالَ فِي خِطَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [2: 143] وَقَالَ فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [39: 69] إِلَخْ. وَهَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءُ هُمْ حُجَّةُ اللهِ عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِفَضَائِلِهِمْ وَاسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ، وَالْتِزَامِهِمْ لِلْخَيْرِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ وَلَوْلَاهُمْ لَفُقِدَتِ الْقُدْوَةُ الصَّالِحَةُ.
(4) أَنَّهُمُ الْعَبَّاسُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ ذُو الْجَنَاحَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَجْلِسُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مِنَ الصِّرَاطِ يُعْرَفُونَ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ وَمُبْغِضِيهِمْ بِسَوَادِهَا. وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَ الألوسي أَنَّ الضَّحَّاكَ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ تَفَاسِيرِ الشِّيعَةِ، وَفِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ كُلًّا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ، أَيْ فَيُمَيِّزُونَ بَيْنَهُمْ أَوْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَمْيِيزِ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ عَلَى الصِّرَاطِ لِمَنْ كَانَ يُبْغِضُهُمْ مِنَ الْأُمَوِيِّينَ، وَمَنْ يُبْغِضُونَ عَلِيًّا خَاصَّةً مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالنَّوَاصِبِ وَأَيْنَ الْأَعْرَافُ مِنَ الصِّرَاطِ؟ هَذَا بَعِيدٌ عَنْ نَظْمِ الْكَلَامِ وَسِيَاقِهِ جِدًّا.
(5) قَوْلُ مُجَاهِدٍ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ. وَهَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا تُعْقَلُ حِكْمَتُهُ إِذَا رُدَّ إِلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّ فِيهِ غَرَابَةً.
وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ- بِكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، وَفِيهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنَ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ، وَالتَّعْبِيرُ بِرِجَالٍ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَالتَّغْلِيبُ لَا يَظْهَرُ هُنَا، كَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ خِلَافًا لِأَبِي مِجْلَزٍ إِذْ لَوْ أُرِيدَ هَذَا أَوْ ذَاكَ لَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ يَقْبَلُهُ كَأَنْ يَقُولَ: عِبَادٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَيُنَافِي كَوْنَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا آخِرُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، كَمَا يُنَافِي كَوْنَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ أَوِ الشُّهَدَاءَ وَكَذَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أَيْ نَادَوْهُمْ بِقَوْلِهِمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا السَّلَامَ يُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارُ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْبِشَارَةُ بِالنَّجَاةِ إِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَمْيِيزِهِمْ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ فَإِنَّ هَذَا التَّمْيِيزَ بِالسِّيمَا إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ كُلٍّ فِي دَارِهِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، وَحِينَئِذٍ يَتَرَجَّحُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْأَعْرَافِ الْأَنْبِيَاءَ أَوِ الشُّهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فَهُوَ تَحِيَّةٌ مَحْضَةٌ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} (56: 25، 26).
وَلَا يَمْنَعُ هَذَا الْوَجْهُ وَلَا ذَاكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، بَلْ وَرَدَ التَّنْزِيلُ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِتَسْلِيمِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنَعِمَ عُقْبَى الدَّارِ} (13: 23، 24).
وَقَوْلُهُ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ وَسَيَأْتِي مَا رُوِيَ فِيهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، أَيْ نَادَوْهُمْ مُسَلِّمِينَ عَلَيْهِمْ حَالَ كَوْنِهِمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا مَعَهُمْ وَهُمْ طَامِعُونَ فِي ذَلِكَ، أَوْ حَالَ كَوْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بَعْدُ وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا لِمَا بَدَا لَهُمْ مِنْ يُسْرِ الْحِسَابِ، وَلاسيما إِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْآثَارِ أَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ فِي الْمَوْقِفِ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، لَا تَطْمَئِنُّ قُلُوبُ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَدْخُلُوهَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْمَوْقِفِ ادْخُلُوا النَّارَ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، وَلَوْ نَادَى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا لَخَشِيتُ أَنْ أَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى لَا أَذْكُرُ أَيَّ الْمَكَانَيْنِ قَدَّمَ. وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ.
{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أَفَادَ هَذَا التَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ أَنَّهُمْ يُوَجِّهُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى أَصْحَابِ الْجَنَّةِ بِالْقَصْدِ وَالرَّغْبَةِ وَيُلْقُونَ إِلَيْهِمُ السَّلَامَ، وَأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ رُؤْيَةَ أَصْحَابِ النَّارِ. فَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَهُمْ، أَيْ حُوِّلَتْ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَلْقَاهُمْ وَتُبْصِرُهُمْ فِيهَا- وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ تَوَخٍّ وَلَا رَغْبَةٍ، بَلْ بِصَارِفٍ يَصْرِفُهُمْ إِلَيْهَا أَوْ بِمُقْتَضَى سُرْعَةِ تَحَوُّلِهَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ- قَالُوا: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ حَيْثُ هُمْ وَلَا حَيْثُ يَكُونُونَ. وَهَذَا الدُّعَاءُ لَا يَظْهَرُ صُدُورُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا بِتَأْوِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتِعْظَامُ حَالِ الظَّالِمِينَ وَاسْتِفْظَاعُ مَآلِهِمْ، لَا حَقِيقَةُ الدُّعَاءِ، وَيُجَابُ بِهَذَا الْأَخِيرِ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْأَنْبِيَاءُ هُمْ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ.
وَالْإِنْصَافُ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ أَلْيَقُ بِحَالِ مَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ وَكَانُوا مَوْقُوفِينَ مَجْهُولًا مَصِيرُهُمْ. رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمُ النَّارَ وَقَعَدَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ فَقَالَ لَهُمْ: فَاذْهَبُوا فَادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ يُحَاسِبُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللهِ: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} الْآيَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمِيزَانَ يَخِفُّ بِمِثْقَالِ حَبَّةٍ وَيَرْجَحُ. قَالَ: وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ فَوَقَفُوا عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ عُرِضَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالُوا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ إِلَى يَسَارِهِمْ رَأَوْا أَهْلَ النَّارِ فَقَالُوا: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ قَالَ: فَأَمَّا أَصْحَابُ الْحَسَنَاتِ فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، وَيُعْطَى كُلُّ عَبْدٍ يَوْمَئِذٍ نُورًا، وَكُلُّ أَمَةٍ نُورًا، فَإِذَا أَتَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللهُ نُورَ كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ. فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْجَنَّةِ مَا لَقِيَ الْمُنَافِقُونَ {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [66: 8] وَأَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ فَإِنَّ النُّورَ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَهُنَالِكَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} فَكَانَ الطَّمَعُ دُخُولًا قَالَ سَعِيدٌ: فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرٌ، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ إِلَّا وَاحِدَةً. ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَنْ غَلَبَ وَحْدَانُهُ أَعْشَارَهُ اهـ.
فَهَذَا أَوْضَحُ بَيَانٍ مُفَصَّلٍ لِلْقَوْلِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْجُمْهُورُ، وَلِلْأَثَرَيْنِ الْمَوْقُوفَيْنِ فِيهِ قُوَّةُ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْقِفِ وَقِيلَ أَنْ يَجْعَلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ عَلَى الْأَعْرَافِ، فَإِنَّ السُّورَ الَّذِي فُسِّرَتِ الْأَعْرَافُ بِهِ أَوْ بِأَعْيَالِهِ يُضْرَبُ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ مِنَ الْمَوْقِفِ يَسِيرُونَ بِنُورِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ آيَةِ سُورَةِ الْحَدِيدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ تَفْسِيرِ كَلِمَةِ الْأَعْرَافِ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَعْرِفَتَهُمْ لِأَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابِ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ وَنِدَاءَهُمْ بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ بِعُنْوَانِ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْعُنْوَانُ قَبْلَ وُجُودِهِمْ عَلَيْهَا إِلَّا إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ أَصْحَابَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ عَلَى التَّأْوِيلِ بِجَعْلِهِ مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [12: 36] وَيُجَابُ عَنْ تَخْصِيصِ الرِّجَالِ بِالذِّكْرِ بِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُخَاطِبُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ دُونَ مَنْ مَعَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ.
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}
هَذَا النِّدَاءُ حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّبِيِّينَ أَوْ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ صُدُورِهِ عَمَّنْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي تَفْسِيرِهِ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} كَرَّرَ ذِكْرَهُمْ مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ بِهِ فَلَمْ يَقُلْ: وَنَادَوْا لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ، وَكَوْنِ هَذَا النِّدَاءِ خَاصًّا فِي مَوْضُوعٍ خَاصٍّ، فَكَانَ مُسْتَقِلًّا دُونَ مَا قَبْلَهُ الْمُوَجَّهِ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي جُمْلَتِهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا النِّدَاءَ يَكُونُ فِي بَعْضِهِمْ لِمَنْ كَانُوا يَعْرِفُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِغِنَاهُمْ وَقُوَّتِهِمُ الْمُحْتَقَرِينَ لِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لِفَقْرِهِمْ وَضَعْفِ عَصَبِيَّتِهِمْ، أَوْ لِحِرْمَانِهِمْ مِنْ عُصْبَةٍ تَمْنَعُهُمْ وَتَذُودُ عَنْهُمْ، الَّذِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَغْنَاهُ اللهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُ قَوِيًّا فِي الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ نَعِيمَ الْآخِرَةِ إِنْ كَانَ هُنَالِكَ آخِرَةٌ {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمَعَذَّبِينَ} (34: 34، 35) وَمِنْهُمْ طُغَاةُ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَاوَمُوا الْإِسْلَامَ فِي مَكَّةَ وَاضْطَهَدُوا أَهْلَهُ كَأَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَا أَهْلِ النَّارِ الْعَامَّةِ كَسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمُ الْخَاصَّةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ بِسِيمَا الْمُسْتَكْبِرِينَ إِذْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مَنْ تَغْلِبُ عَلَيْهِمْ رَذِيلَةٌ خَاصَّةٌ صِفَةٌ وَعَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِمْ. وَفِي الصَّحِيحِ «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ» فَيَعْرِفُهُ فَيَشْفَعُ لَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ ثُمَّ يَمْسَخُهُ اللهُ ذِيخًا مُنْتِنًا لِيَزُولَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ خِزْيُهُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ مَسْخَهُ ضَبْعًا مُنَاسِبٌ لِحَمَاقَتِهِ وَنَتْنِ الشِّرْكِ [رَاجِعْ ص449 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ] وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ. أَيْ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ لِلْمَالِ وَكَذَا لِلرِّجَالِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَاسْتِكْبَارُكُمْ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْفُقَرَاءِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ لَمْ يَمْنَعْ عَنْكُمُ الْعَذَابَ وَلَا أَفَادَكُمْ شَيْئًا مِنَ الثَّوَابِ؟.
{أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ} أَيْ يُشِيرُونَ إِلَى أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَضْطَهِدُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا كَآلِ يَاسِرٍ وَصُهَيْبٍ الرُّومِيِّ وَبِلَالٍ الْحَبَشِيِّ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ مُتَهَكِّمِينَ بِخِزْيِهِمْ وَفَوْزِ مَنْ كَانُوا يَحْتَقِرُونَهُمْ: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ فِي الدُّنْيَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَنَالُهُمْ بِرَحْمَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِمْ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَعْطَاكُمْ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} أَيْ قِيلَ لَهُمْ مِنْ قِبَلِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} مِمَّا يَكُونُ فِي مُسْتَقْبَلِ أَمْرِكُمْ، {وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} مِنْ جَرَّاءِ شَيْءٍ يُنَغِّصُ عَلَيْكُمْ حَاضِرَكُمْ، وَحَذْفُ الْقَوْلِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَرَائِنِ الْكَلَامِ كَثِيرٌ فِي التَّنْزِيلِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخُلَّصِ، وَلَكِنَّهُ قَلَّ فِي كَلَامِ الْمُوَلِّدِينَ، حَتَّى لَا تَرَاهُ إِلَّا فِي كَلَامِ بَعْضِ بُلَغَاءِ الْمُنْشِئِينَ، وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْأَعْرَافِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لِهَؤُلَاءِ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ إِلَخْ. وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ؛ إِذْ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِمْ أَنْ يُخَاطِبُوا مَنْ هُمْ فَوْقَهُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ لَا قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَلَا بَعْدَهُ. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَلِيقُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَالْمُتَبَادَرُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْحِكَايَةُ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَقِيلَ إِنَّ الْأَمْرَ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ لِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ. رُوِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ فِي النَّارِ قَدْ أَقْسَمُوا بِاللهِ لَا يَنَالُ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ مِنَ اللهِ رَحْمَةٌ، فَأَكْذَبَهُمُ اللهُ فَكَانُوا آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا فِيمَا سَمِعْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الصِّحَاحِ فِي آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا وَتَقَدَّمَ آنِفًا.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ: أَنَّ مَا حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ- إِنْ صَحَّ وُجُودُ الْأَعْرَافِ حِينَئِذٍ- بَعْدَ الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ وَقَبْلَ دُخُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلِ النَّارِ النَّارَ وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْأَوَّلُ- لَوْلَا مَا يُنَافِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ- يُرَجِّحُ أَنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ عَلَى الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُمْ هُنَالِكَ تَمْيِيزٌ وَتَفْضِيلٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا لِغَيْرِهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَلَائِكَةِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ التَّعْبِيرُ بِرِجَالٍ وَإِنْ أَوَّلَهُ، أَوْ مُسَلَّمٌ بِكَوْنِهِمْ فِي صُورَتِهِمْ. وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يُرَجِّحَانِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ بِمَعُونَةِ كَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ، يُوقَفُونَ عَلَى الْأَعْرَافِ طَائِفَةً مِنَ الزَّمَنِ يَظْهَرُ فِيهَا عَدْلُ اللهِ تَعَالَى بِعَدَمِ مُسَاوَاتِهِمْ بِأَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ الرَّاجِحَةِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ مَعَهُمْ، وَلَا بِأَصْحَابِ السَّيِّئَاتِ الرَّاجِحَةِ بِدُخُولِ النَّارِ مَعَهُمْ وَلَوْ بَقَوْا فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ لَكَانَ عَدْلًا وَلَكِنْ وَرَدَ أَنَّهُ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ بَعْدَ هَذَا الْعَدْلِ بِالْفَضْلِ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، وَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ إِخْرَاجِ مَنْ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ بَقَاءِ أَحَدٍ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ فِي الْقِسْمَةِ الثُّنَائِيَّةِ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [42: 7].
وَكُلٌّ مِنْ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا التَّرْجِيحُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَهُ مُرَجِّحَاتٌ وَمُعَارَضَاتٌ مِنَ الْآيَاتِ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِنَا لَهَا، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ مُرَجِّحَاتِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ وَضْعُ هَذِهِ الْآيَاتِ بَيْنَ نِدَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ: {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} (44) الْآيَةَ. وَنِدَاءِ أَهْلِ النَّارِ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَنْ يُفِيضُوا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ الَّذِي يَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}. اهـ.